السبت، 18 ديسمبر 2010

عباس بيضون: أين الرجل الذي يعيش في سويسرا من نظام بلاده؟

جائزة الرواية العربية للكوني.. السماء لا تتكلم بألسنة الروائيين
كانت جلسة الختام لمؤتمر الرواية العربية. امتلأت القاعة الكبيرة إلى تمامها وكنا نسمع من هنا وهناك لهجات عربية شتى، مصرية بالطبع، فالمؤتمر انعقد في دار الأوبرا ومبنى المجلس الأعلى للثقافة في مصر، إلى جانب لهجات فلسطينية ومغربية وعراقية.


لقد جاؤوا جميعاً ليعرفوا بالدرجة الأولى حائز جائزة المؤتمر لهذا العام. قدم الأمين العام للمجلس الأعلى للثقافة عماد أبو غازي الذي قدم لجنة تحكيم الجائزة المؤلفة من محمد شاهين الأردني رئيساً وإبراهيم فتحي المصري وحسين حمودة المصري وصبحي حديدي السوري وعبد العزيز محادين البحريني وعبد الرحيم العلام المغربي ولطيف زيتوني اللبناني أعضاء.


ألقى صبحي حديدي كلمة اللجنة التي قال فيها إن مرجع اللجنة كان دائماً القيمة الفنية للنتاج الروائي وأن اللجنة تداولت 23 اسماً لروائي وروائية قبل أن تستقر كلمتها بالإجماع على اسم الروائي الليبي إبراهيم الكوني صاحب المشروع الروائي الرحب الذي يشكل نوعاً من إنتربولوجيا ثقافية واتخذ من الصحراء مسرحاً بدون أي شطح ميتافيزيقي أو مثالي وعلى امتداد أكثر من 45 عملاً أسس للغة بالغة الثراء، ووصف حديدي الكوني بأنه أحد كبار المنخرطين في التجريد الجسور وأمهر السائرين في الرواية الجديدة.


دُعي الكوني للكلام فتقدم منه بتؤدة وتثاقل وعرج خفيف، فالرجل الذي لم يحضر المؤتمر سمي للجائزة وجاء ونزل كما يقال في فندق غير الذي نزل فيه أعضاء المؤتمر. وظل محجوباً إلى أن جاء وقت الاحتفال بالجائزة.


وإذا علمنا أن المؤتمر ضم، كما يقال، قرابة 250 روائياً فإن كثيرين وجدوا في هذا السلوك من قبله وقبل إدارة المؤتمر تجاهلاً واستخفافاً بالمؤتمرين.


تقدم الكوني وألقى بصوت واثق ومتأن خطبة بدأها بكلام عن استحالة السعادة، «فنحن لا نأتي للسعادة بل لدفع الدين». أشار الكوني إلى عبقرية اللغة التي زاوجت بين الأخلاق والإبداع والدين والأرض «إنه خيار رسالي»، إنه الغد المتصل بتلك الكآبة التي هي الجهة.


ذكر القديس اغسطينوس وعاد إلى إشارة توراتية للخروج من الجنة لينتهي إلى اعتبار الحرية صلاة، ومن الصلاة انهمر قاموس ديني من الربوبية، إلى النبوة إلى الهجرة، إلى الخطيئة إلى الشهادة.


تذكّر خطبة الكوني بتأملات فلسفية، غير أن الفلسفة هنا مدعاة أكثر منها حقيقية، فوراء مظهر التماسك الصوفي والتأملي في الخطبة لا نجد إلا القاموس الديني. خطبة جميلة مع ذلك، وإن تكن أقرب إلى الشعر لكن هذه الخطبة في مؤتمر لمثقفين وروائيين. أينها من واقع هؤلاء المثقفين، أينها من معاناة المثقف، والحكومات الجاهلة، أينها وهي تتحدث عن مفهوم مجرد للحرية من الحريات في العالم العربي. من الاستبداد والأرتوقراطية بل أينها وهي ترتدي النسيج الديني من الإرهاب الديني ومن القمع بكل أشكاله، بل أينها من حال المثقفين العرب وهامشيتهم وبؤسهم. بل أينها من تسلط الطغم على كل شيء بما في ذلك مال الشعب، بل أين الرجل الذي يعيش في سويسرا من نظام بلاده.


لا شك بأن خطبته أثرت بطلاوتها لكن جمهوره خرج مضعضعاً حائراً منها. إن الروائي الذي يريد أن يكون ضميراً لا يكونه فقط للروح المطلقة ولكن للشعب والمضطهدين.

عن صحيفة السفير اللبنانية

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق