الثلاثاء، 28 ديسمبر 2010

أدب الكوني في عيون الليبيين

 الكوني اختزل أدبه في قضية قبيلته الطوارق


 ظل الروائي إبراهيم الكوني طيلة حياته الإبداعية حارسا لرموز وإشارات قبيلته "تارقا" في كهوف أكاكوس وتاسيلي جنوبا، ويأخذ عليه نقاد أنه قصر كتابته على محيطه القبلي دون واقع مجتمعه الليبي.


ويرجح مراقبون أن الروافد الطوارقية للكوني التي رهن أعماله الـ64 بها تقف وراء حصوله على الجوائز العالمية والعربية، والتي كان آخرها جائزة ملتقى الرواية العربية الخامس في القاهرة قبل أيام قليلة.






هذه الخصوصية في أدب الكوني، كانت محل انتقاد المهتمين، في إشارة إلى حسابات سياسية واهتمام غربي بكتابته بعيدا عن حرفية الكتابة وفق ما يقول هؤلاء، في المقابل يحتج آخرون بأن محلية الكتاب الكبار هي التي تقود إلى التميز خصوصا في ظل العولمة وتداخل الثقافات الإنسانية.






ويؤكد أوفنايت شقيق الكوني أن طفولة إبراهيم في صحراء تينغرت جنوب الحمادة الحمراء، وتنقل عائلته بين أودية (أوال، تناروت, ميمون) ودور والده في نقل الأسلحة على ظهور الإبل إلى جبهة التحرير الجزائرية ساهمت بشكل أو بآخر في تشكيل حياته الإبداعية.






وأشار إلى حادثة ربما مازالت حاضرة في ذاكرة إبراهيم بقوله "عندما تعرضت ذات يوم لمحاولة افتراس ضبع, أو عندما لدغتني أفعى سامة وما رافق ذلك من إسعافات وعلاج.. ثم ما حصل معه شخصيا ذات يوم عندما قام بالعناية بالأغنام".






وأضاف أوفنايت: حيث تاه بها إبراهيم في الصحراء "وهو الذي لم يتجاوز ست سنوات من العمر، فترك الأغنام وقضى ليلة برد قارس بدون تدفئة أو غطاء في العراء, ولم يتم العثور عليه قبل مضي 24 ساعة من البحث, وصدى الأعيرة النارية التي أطلقتها الوالدة باستعمال بندقية الوالد فرحة بوصول خبر العثور على إبراهيم".






قيمة إبداعية


وترى شريحة واسعة من أدباء بلده أن الكوني قيمة إبداعية "نادرة" فظهوره من وجهة نظر القاص أحمد يوسف عقيلة نقلة نوعية في الأدب العالمي. وأكد عقيلة في تصريح للجزيرة نت أنه عبر أدب هذا الطوارقي استطاع قراءة الصحراء واستكناه كنوزها المخبوءة. ومحاورة سكّانها أهل الخفاء وكذلك استجلاء أساطيرها.






وقال إنها قبل الكوني "كانت مجرد عراء ممتد يتراقص فوقه السراب" مضيفا أن الكوني في بحثه الدروب عن فردوسه المفقود "قدّم لنا أدباً رفيعاً"، وزاد "إن الأمور ليست دائماً كما تبدو".






أما صديقه وزميله الروائي أحمد إبراهيم الفقيه فقال إن الكوني يقدم لنا درسا في المثابرة والدأب والعمل بروح المسؤولية والحرفية التي تحتاجها مهنة الكاتب، و"هو يبطل بمسيرته العامرة بالإنتاج المتفوق والمتميز في السرد الروائي المقولات التي تتكلم عن البوهيمية في الحياة والتسيب والإهمال الذي ينسب ظلما وزورا للروح الحرة للمبدع والفنان".






ويضيف الفقيه في حديث للجزيرة نت "حرية الروح وحرية الفكر تقتضي إحساسا أكبر بالمسؤولية والجدية، وهو ما فعله زميلنا الكوني وحقق لنفسه والأدب الليبي هذا الحصاد المشرف".






دور الأديب


بدوره أكد الشاعر سالم العوكلي أن الجائزة الأخيرة لا تضيف شيئا لأدب الكوني الذي سبق وأن حصل على جوائز عالمية أكثر قيمة ومصداقية، قائلا في تصريح للجزيرة نت إن الجوائز العربية غالبا محكومة بمعايير إجرائية خارج المنجز الأدبي أو العملية الفنية، وهذا ما يفقدها مصداقيتها حسب قوله.






فرج الترهوني سجل تغافل الكوني عن قضايا شعبه المصيرية (الجزيرة نت)


ويطرح العوكلي تساؤلات حول الجوائز الأدبية العربية، ودور الأديب الإنساني أو مواقفه خارج الكتابة، لافتا إلى أن الكوني ظل الروائي الهارب بروايته من أسئلة العصر أو إبداء أية آراء تجاه الشأن العام "وهذه أصبحت قيمة في حد ذاتها تسعى إليها الجوائز العربية تفاديا لأي إحراج" مرجحا أن هذا المنطلق ربما وراء رفض الروائي المصري صنع الله إبراهيم الجائزة نفسها قبل سنوات.






أما رئيس تحرير صحيفة المجلس الثقافي الناقد طارق الشرع فلا يشك أن الكوني صار اليوم يمثل قيمة أدبية مميزة على المستوى العالمي، ويعتبر نيله جائزة الرواية العربية وإن شكلت إضافة إلى تاريخه فإنها "لن تكون بمثابة القفزة في مسيرته الأدبية الطويلة".






سلطة أخلاقية


من جهتها لم تلتفت الكاتبة تهاني دربي إلى مكانة الكوني وفرحة الجائزة، بل أبدت استغرابها مما ورد في كتاب "الناموس" للكوني الذي يحمل أوصافا "أقل ما يقال عنها إنها ظالمة في حق المرأة".






وتساءلت "كيف يمكن لناسك حقيقي أن يكتب عن المرأة بروح المتأذي" داعية الكوني إلى التخلص "على الأقل من أوجاعه الخاصة". ويلح على الكاتبة الليبية سؤال "لماذا لا يسطع نجم ليبي في أي مجال إلا إذا ترك البلاد؟".






من ناحيته عبر الكاتب عطية الأوجلي عن سعادته بفوز الكوني مؤخرا بجائزة عربية رغم شكوكه بأن مثل هذه الجوائز"تخضع لحسابات المصالح الضيقة والأهواء السياسية".






تغافل عن الواقع


وعكس الآراء السابقة، يرى المفكر فرج الترهوني في حديثه للجزيرة نت أن الكوني بحق فيلسوف عالم الصحراء، ومع ذلك يسجل عليه تغافله عن الواقع وانفصاله عن القضايا المصيرية لشعبه.






وأشار الترهوني هنا إلى قول الفيلسوف والروائي الفرنسي جولين بندا في رؤيته للمثقف الحقيقي الذي اشترط فيه وجوب انحيازه "للسلطة الأخلاقية" ويصنفه بأنه "مخلوق نادر لأنه يساند معايير الحقيقة والعدالة الأبدية، ويقول الحق في أصعب الظروف".






أما الناقد محمد عبد الله الترهوني فأكد في تصريح للجزيرة نت سعادته لفوز كاتب ليبي بجائزة "مرموقة" من بين أسماء أدبية كبيرة، واعتبر أن رواية الكوني "ليست ليبية" ولا تخص الليبيين "لا على المستوى الاجتماعي ولا الاقتصادي ولا السياسي" مضيفا أنها تطرح ثقافة "بائدة". وأشار إلى جملة من الإشكاليات والنصوص المتوفرة بالمجتمع الليبي "كان على الكوني الاهتمام بها".






وقال الترهوني "حتى الجائزة تبرع بها لأطفال الطوارق" مؤكدا أن روايته تطرح قضايا قبيلته و"لا تخصنا سوى في جوانبها الإنسانية، عكس أدباء كبار تحدثوا عن مجتمعاتهم وليس قبائلهم" وقال إنه لا يجد نفسه في روايات الكوني.




خالد المهير
 الجزيرة نت

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق