قلب التليسي النابض شعرا بين الخجل و البوح
العرب أونلاين-انتصار الجماعي
غمر قلمي الفرح و زهت أحرفه و هي تعانق ما انتظم و نظم و ينظم في غياب و حضور خليفة التليسي ، ثمة عشق للأدب ينساب مع محفل شيخ المؤرخين الذي زهت به الألقاب مترجما و قاصاً و شاعراً و جامعاً للأدب و أستاذا له.
ما و قعت عليه عيناي من أشعار له جنسته بأنه شاعر في قلب عاشق وله و خجول يمتطي الكلمات كدرع للبوح علي مكامن قلبه و قلما يتركها تنساب بحرية في أغوار الشعور يكبحها في مكامن عدة ، ربما لخجله و ربما لشيء يقتضيه لذاته كما أننا لا نشجع كونه شاعراً ، لوصم عقولنا بكون التليسي ناقداً مؤرخاً و قاصاً و تناسينا شاعريته.
وتعتبر شاعرية التليسي محط غموض و اختلاف لدي كثيرين كون الشاعر اختبأ طويلا و راء جدار النقد و لم يهتم بنتاجه الشعري بشكل بارز، فمن ناحية العددية لقصائده فهي قليلة مقارنةً مع العدد الهائل لإنجازاته الأخرى ، و لكنها فنياً راقية النظم و رائعة التكوين و الصور، فحافظ بنظمه للشعر على ركائز النظم و تكوينه مع ملاحظة أنه شغل نشاط النقد الشعري الكثير من وقته و حتى إبان خروجه بنظرية حول قصيدة البيت الواحد.
في حيز من التصريح قال التليسي ليكون الشعر شعراً لا بد أن تتكامل عناصره من عاطفة و خيال و موسيقي شعرية و أسلوب شعري سليم و أجملها في:
1 ـ الخيال و الشعور
2 ـ التعبير الصادق عن مشاعر الشاعر
3 ـ إبداع الصور
4 ـ الاهتمام بالصياغة و التعبير بالألفاظ
5 ـ وضوح العنصر التأملي الذاتي عند الشاعر
6 ـ عمق التجربة الشعرية و المعاناة
7 ـ جودة الأسلوب و قوة المعنى.
في عجالة و بعد هذه التوطئة البسيطة كان علي لزاماً أن أقدم لكم قلب التليسي في قالب مغاير من الأحداث فهو قاوم و بحزم خروج قلبه للعيان حمله مشقة الغوص، في عتمة الكلمات التي تحاول أن تتحدث بمكنونات قلبه لكنها تغيبه في عمائمها و متاهاتها اللفظية.
ولقد اشتهر بقصيدته الرائية المعروفة "وقف عليها الحب" فكانت هذه القصيدة مثار جدل على مدار أعوام كثيرة و على حساب جُل ما كتب ، كونها خاطبت القلوب و العقول و تغزلت بالحب في ليبيا و كأنها فتاة تحمل في جعبتها الجمال و الفتنة و الأنوثة فما أن يذكر التليسي حتى تقفز بالأذهان:
"وقف عليها الحب شدت قيدتنا *** أم أطلقت للكون فينا مشاعرا
وقف عليها الحب ساقط نخلها *** رطبا جنيا أم حشيفا ضامرا
وقف عليها الحب كرمى عينها *** تحلو منازلة الخطوب حواسرا".
في حين بأتت محاولاته نقل كل مشاعره من خلال العام و نبذه غالباً للخاص بالرغم من أن قصائده التي عن المرأة أظهرت الكثير من ذلك و خصوصاً في مخاطبته الوطن كذات يحب و يحسن و يستنطق ، كما أن شعره المرتكز على المرأة أظهرت ذاتيته بشكل كبير للعيان في مطلع قصيدته " ترَاجع" على لسان فتاة كانت تتحدث إليه كونه تقصى جانبا ً عنها و لم يحاول الغوص بحبها:
"قالت تراجعت في خوف و إجفال
من أول الشوط دون المطمح الغالي
إلى منتهى القصيد حين يقول على لسانها
فلم تراجعت و الأشواق مطلعها
يوحي بأن كمال الحب إذلالي."
فهذا الحوار الذي ما بين الشاعر و ذاته و بوحه لما اشتكت منه الفتاة، فغالبا ما تكون المرأة هي من ينشد الشاعر بها الشعر والحب لا أن تكون الند كما يحاول التليسي ذلك رغم الصراع بين ذاته و عشقه، يجعل من المرأة دوما مثار جدل وأخذ
وتمن لا يقحمها داخل روحه و قلمه إلا من خلال مساجلات خجولة تدل على لفظية الشاعر الراقية و خجل ذاته المفرطة بجزئية كونه رجل.
في جدلية تامة تكون المرأة عند التليسي مثار استقصاء للشموخ و الحب و الند لأنه اختار مخاطبتها بضمير المخاطب في جل قصائده يحاورها و تحاوره وففي قصيدة "الناقدة" يقول عنها:
"يزيدك عمرك عندي كلما رحلت
في عمق نفسك أثامي و أوزاري."
و في قصيدته "الجنية" يقول:
فإن خبت أوقدت بالهجر جذوتها
وإن تعالت فبالإقبال تطفيها
وعند غضبتها شعر يصالحه
وعند رجعتها شعر يناغيها
و مغنم الفن من أوجاع فرقتها
كمغنم الفن من نعمى تلاقيها."
المرأة في شعر التليسي أخذت الكثير كونها ملهمه، واثقة ومحاربة لما تحتويه من غموض و ثقة و نفائس فهي التي تعطي الحب و تنير القلب الخجول لشاعرنا ولكنه يحجم وجودها في إطار مصدر الإبداع له ولا أكثر من ذلك.
كانت هذه وقفة في عجالة على صاحب (وقفاً عليها الحب)، فمن خلال منظور شاعريته أمتزج شعره بثلاثية الوطن و المرأة والطبيعة، كما خاطب الوطن الحبيبة و الحبيبة الوطن كثيراً في محاولة منه، لإقصاء الخصوصية من شعره و الذاتية، بشكل يصعب الفصل فيما بينها.
وأنهي عجالتي بقصيدة يخاطب فيها فتاة عن الكبر والمشيب ويتحدث عن جمال روعة المشيب ووقاره ورهبته في جزء منها يقول:
"سمعتني أشكو الحادثات وأحنق
وأذم ما فعل المشيب المحدق
فتبسمت لطفاً وساقت حكمة ً
إن المشيب رصانة و تألق
خلف المشيب عزائم و وقائع
يمضى الزمان و ذكرها لا يمحق."
عن العرب اون لاين
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق