لأول مرة يحصد الشعر والفن العربي الأميركي جوائز مرموقة في أميركا، فقد ذهبت جائزة الزمالة الفنية لعام 2010 إلى المخرجة الأميركية من أصل فلسطيني شيرين دبس عن فيلم "أميركا"، وذهبت جائزة الزمالة الشعرية إلى الشاعر الليبي الأصل خالد مطاوع لتميزه في الشعر والترجمة.
وتقدر الجائزة بـ50 ألف دولار لكل فنان تم اختياره من القائمة الطويلة التي ضمت 302 اسم من مختلف المشارب والألوان، من 18 ولاية أميركية.
وتكمن أهمية الجائزة في أنها الأولى التي تضع الإبداع العربي على خارطة التقدير والاحتفاء في أميركا. فهذا مكسب وفرصة للتعريف بالصورة الإنسانية الحقيقية للإبداع القادم من العالم العربي، بعد أن لحق به الكثير من التشويه وبخاصة في السنوات العشر الأخيرة.
حقق فيلم "أميركا" للمخرجة شيرين الدبس انتشارًا وشهرة عربية وعالمية منذ بداية عرضه عام 2009، في أميركا وكندا وعدد من الدول العربية. كما شارك في عدة مهرجانات سينمائية، ليس آخرها مهرجان "كان" الفرنسي عام 2009.
وتكمن قوة الفيلم في المعالجة الشفافة التي مزجت بين الاجتماعي والسياسي والفكاهة في إطار كاشف لعمق المأساة التي يعيشها الشعب الفلسطيني سواء في الداخل أو الشتات.
تجربة الاقتلاع
ويقدم الفيلم تجربة الاقتلاع من خلال تجربة امرأة فلسطينية قوية وشجاعة تتخذ بصعوبة قرار الهجرة كي تنقذ ابنها من مستقبل غير مضمون، وخاصة بعد أن تجد نفسها وابنها يتعرضان للإهانة على إحدى نقاط التفتيش من قبل جنود الاحتلال الإسرائيلي.
تفكير المرأة في مستقبل ابنها دفعها إلى مغامرة الرحيل، ولكن تجربتها لم تكن سهلة حين وجدت نفسها دون عمل ولا نقود، واقعة تحت عبء العيش في منزل شقيقتها وزوجها الذي لم يكن كريمًا معهم في البداية.
تمثل شيرين فاعور دور منى، الشخصية الرئيسية التي تقوم بالبحث عن عمل منذ الأسبوع الأول، ورغم دراستها الأكاديمية وخبرتها العملية الطويلة في البنوك، فإنها لم تجد فرصتها إلا في محلات الهامبرغر.
وهناك تتعرض لإهانات عنصرية من قبل طلبة المدرسة التي يتعلم فيها ابنها الوحيد. إلا أن التجربة لم تكن سلبية في كل جوانبها حيث وجدت تعاطفًا وتقديرًا من قبل مدير المدرسة الأميركي الذي اكتشفت أنه -يا للمفارقة- يهودي.
من خلال الكلمات التي ألقتها والحوارات العديدة التي تناولت تجربة شيرين دبس وهذا الفيلم نجد أنها تمر بتجربة التمييز العنصري ووصمة الإرهاب التي علقت بالعرب المسلمين، إذ يتعرض منزل والدها الطبيب للتفتيش.
وهنا تبدأ الأسئلة تكبر في ذهنها وهي لا تزال فتاة عمرها 14 سنة. حين تقول لوالدها: يجب أن أفعل شيئا، أن أقدم فيلما عن هذا الوضع. يجيبها الأب: ولكن أنت عربية، لا يمكن. وفعلا تواجه الفنانة بعض الصعوبات في إيجاد ممول لفيلمها لكنها لا تعدم الحيلة، بل تصل بقوة فنها وقضيتها إلى مصاف النخبة فنيًّا وإنسانيًّا وتكلل جملة نجاحاتها الفنية بجائزة مادية قدرها 50 ألف دولار.
أما الشاعر خالد مطاوع ( 46 عاما) ، فقد هاجر من بلده الأصلي ليبيا إلى أميركا وهو لا يزال يافعًا وهناك تشرب فنون اللغة الإنجليزية وآدابها. ودرس الكتابة الإبداعية في الجامعات الأميركية ومن ثم قام بتدريسها.
لم ينسلخ الشاعر عن لغته الأم وثقافتها، فانكفأ على ترجمة الشعر العربي إلى الإنجليزية مقدما بذلك عددا من الأسماء العربية إلى قراء الإنجليزية الجاهلين تمامًا بأبعاد الشعر العربي.
كما سجل الشاعر المترجم خطوة مميزة تحسب له حين أقدم مؤخرا على ترجمة الشاعر السوري أدونيس للقارئ الإنجليزي، وساهم مع الشاعر في عدد من الجولات الشعرية في عدة مدن أميركية.
ويرى مطاوع أنه يعيش الترجمة كحالة إدمان لا يمكن كبحها. ويثمن تجربة الترجمة ويذكر مثالا الأثر الذي تركته قصيدة الشاعر العراقي الكبير سعدي يوسف عن أميركا، حيث استخدمها المتظاهرون ضد الحرب على العراق.
وجاء ترشيح مطاوع لهذه الجائزة لأن تجربته الشعرية تمزج بين الفردية المركبة بنكهة وطقوس الشرق والتجربة المهجرية التي تنهل من نبع المعرفة والحساسية الفنية كما يرى النقاد الذين ثمنوا ديوانه "خسوف الإسماعيلية" الذي ترجم الشاعر نفسه إلى العربية.
يذكر أن جائزة الزمالة الفنية الأميركية هي جائزة سنوية وهذه هي الدورة الخامسة لها، وقدمت مكافآت مادية لـ52 فنّانًا تتراوح أعمارهم بين 32 و71 سنة، في حقول إبداعية عديدة تشمل: المسرح، و"الميديا"، والتصميم، والسينما، والشعر، والرقص، والرسم، والتمثيل وغير ذلك.
ويتسلم بموجبها الفنان 50 ألف دولار غير مشروطة بأي التزامات. وهي بالتأكيد "تجعل الحياة أسهل" وفق تعبير الشاعر مطاوع.
جاكلين سلام
الجزيرة نت